التفكر كتاب مفتوح للتعلم..
عمار زعبل الزريقي
هناك مصطلحات ينبغي للمتعلم والمعلم على حد سواء الانتباه لها، والوقوف عندها تمعناً واستقراء في مدلولاتها الجزئية والكلية، البسيطة والمركبة.. ومن هذه المصطلحات ، التأمل ، النظر، الافتكار التدبر، الاعتبار، ولا يخفى على أحد أن هذه الكلمات تنصب إلى كلمة واحدة أو معنى جامع وهو الفكر ، باعتبار أنه مفتاح الأنوار، ومبدأ الاستبصار، فديننا الإسلامي جاء يحمل لافتة حرية التفكير، ويدعو إلى تحرير العقل من الأوهام والخرافات ، والتقاليد، والعادات التي عفا عليها الزمان، وضج منها المكان.. ناهيك عن أنه ينير للإنسان لكي يخرج من قمقمه ويتحرر عن كل ما ينبذه العقل ، ولكي يصل إلى حقيقة صريحة، أنه ماخلق عبثاً، وأن هذا الوجود قائم على الحق ، ثابت على قانون الألوهية، لا تتفرق به السبل، ولايسير وفق هوى أو ضلال، وكل ذلك تدعونا إليه الآيات القرآنية الكريمة ، لنعي أهمية التأمل والتدبر، والتفكر..
فما أجمل أن ننقل هذه الصور البديعة ونبسطها لطلابنا وأبنائنا لمعرفة أسرار كتاب خالد، لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، فما أجمل هذه الأسرار الكونية والعقلية والروحية والمادية التي ينقلنا إليها القرآن، وحريّ بنا أن نتحدث عنها بشيء من التبسيط لمعانيها الجليلة، فتتنبه الحواس والمشاعر ، وتفتح العيون والقلوب لفتح كتاب الكون ونحن نقرأ قوله تعالى: «الذين يذكرون الله قياماً وقعوداً، وعلى جنوبهم ويتفكرون في خلق السموات والأرض ، ربنا ماخلقت هذا باطلاً ، سبحانك فقنا عذاب النار».. إنها دلائل الإيمان وآياته تخبرنا أن وراءها يداً حكيمة تدبره بحكمة وبصيرة، فلا بد من أن نتمعن في هذا الكتاب المفتوح لما فيه من الآيات الباهرة، وندرك إدراكاً صحيحاً لها ولا نقيم الحواجز، ولا نغلق المنافذ ونتوجه إلى الله بقلوبنا قياماً وقعوداً وعلى جنوبنا، فما أجمل أن ننقل هذه الصورة وبهذا الوضوح ، وهناك صورة أخرى: «وفي الأرض آيات للموقنين ، وفي أنفسكم أفلا تبصرون».. أي ارتباط وتمازج وتداخل في الصورة ، إنها إيقاظ للقلب البشري للتأمل والتدبر ، إنه ينبهنا إلى المعرض المتكامل للصور داخل أنفسنا، بشتى المدارس والمذاهب الفنية، بالإضافة إلى معرض الطبيعة، الأرض وأسرارها ومكنوناتها ، فهل نلغي تفكيرنا، ونقفل عقولنا بعدها، بل لا بد من أن ندرك ونعمل على إيصال هذا الإدراك بأهمية التفكير، وأفضلية الفكر المنير الذي يجلبه إلينا كتاب العزة، يقول الله تعالى: «وما يذكر إلا أولو الألباب» أي لا يصل إلى هذه المرحلة إلا أصحاب العقول المستنيرة.. يقول حجة الإسلام الغزالي في كتابه إحياء علوم الدين: إن فائدة التفكر تكثير العلم ، واستجلاب معرفة ليست حاصلة ، والمعارض إذا اجتمعت في القلب وازدوجت على ترتيب مخصوص أثمرت معرفة أخرى، فالمعرفة نتاج المعرفة، وهكذا يتوالى النتاج، وتتوالى العلوم، ويتوالى التفكر إلى غير نهاية، وإنما تسند طريق زيادة المعارف بالموت أو العوائق، هذا لمن يقدر على استثمار العلوم ، ويهتدي إلى طريق التفكر، وأما أكثر الناس فإنما منعوا الزيادة في العلوم لفقدهم رأس المال، وهو المعارف التي بها تستثمر العلوم كالذي لابضاعة له، فإنه لا يقدر على الربح، وقد يملك البضاعة ولكن لا يحسن صناعة التجارة فلا يربح شيئاً» ونحن نملك العقول والقلوب والعيون، وهي خير البضاعة ، أم هي قلوب لا نفقه بها ، وأعين لا نبصر بها، وعقول لا نهتدي بها، «بل هم أضل» أي كالأنعام، أي عاشوا غافلين لا يتدبرون كالأنعام الموكولة إلى استعداداتها الفطرية ،ثم المسير إلى جهنم ، عمياً ، صماً ، قدراً مقدوراً ، فلننظر ولنتفكر ونتدبر في آياته ، ونتل كتابه التلاوة الصحيحة ، ثم لنسع جاهدين إلى ايصال هذه الصورة الجليلة إلى من نتعهدهم في البيت أو المدرسة أوغيرها من محاضن التربية.. وليكن في بداية كلامنا قوله تعالى: «أفلم يسيروا في الأرض ».. دعوة للبحث والعلم على هدى وإيمان وتوحيد.